
المعجزات >
القيامة: مشكلة المعجزات
كيَل بتَ
5/15/17 - ٥ دقيقة قراءة
من الناحية التاريخية، تتمتع قيامة يسوع المسيح بعدد من الأدلة التي تثبت صحتها يساوي أو يفوق الأدلة التي تثبت صحة أي حدث تاريخي قديم. ولكن لسؤ الحظ أن من ينكرون المعجزات غالبًا ما يطرحون هذه الأدلة جانبًا. فالبعض ممن اتبعوا منهجـًا تجريبيـًا صارمًا حددوا ما هو ممكن وما هو غير ممكن في هذا العالم. والمعجزات مثل القيامة لا تقع عندهم في فئة "الممكن". فبما أنهم لم يروا شخصـًا قام من الأموات، وبما أنه لا يمكن إجراء تجارب علمية على جسد مقام من الأموات، فهم يفترضون أن روايات القيامة الواردة في الإنجيل لابد أن يكون لها تفسير طبيعي. وقد جسَدَّ "ريتشارد كارير" Richard Carrier فحوى هذه الحجة في التعليق التالي من مقال بعنوان "لماذا لا أقتنع بالقيامة" “Why I Don’t Buy the Resurrection”:
إن آلاف الحجج يستحيل أن تقنعني بأن أثق في رواية عمرها 2000 سنة نقلها لي أشخاص وأنا لم أرها بنفسي مباشرة هنا والآن. فإن كنت ألاحظ حقائق تُبين أنه لن يكون لي وجود بعد الموت، فقصة يسوع لا يمكن أن تلغي تلك الملاحظة، لأنها تعتبر برهانـًا شديد الضعف. وكل الأدلة التي أختبرها بحواسي تؤكد أني فانٍ … إن قصة عمرها 2000 عام يرويها لي آخرون من مجاهل أراضٍ يغشيها الجهل والأمية يستحيل أن تتغلب على هذه الحقائق. إني لم أرَ شخصـًا يعود للحياة بعد موت المخ موتـًا كاملاً لعدم وصول الأكسجين إليه. ولم أتحاور مع أرواح الأموات. إن ما أراه هو عكس كل ما تدعيه هذه الحكاية المبالغ فيها. فكيف تحظى باحترام يفوق احترامي لعيني؟ مستحيل (2000) 1
رغم أن هذه الحجة قد تبدو في بادئ الأمر مقبولة تمامًا، فهي تواجه معضلتين عسيرتين
أولاً، بعض الأشياء حدثت في الماضي لم يرها أحد من الأحياء اليوم ولن يراها أبدًا، ومع ذلك مازالت تـُقبل باعتبارها حقائق. ومن أفضل الأمثلة على ذلك أصل الحياة على هذا الكوكب. وسواء أكنت تؤمن بالخلق أوبالتطور، لابد لك أن تعترف أن بعض الأشياء وقعت في الماضي لم تعد تحدث اليوم (أو على الأقل لم يشهدها أحد). وأود أن أطرح هذا السؤال على من يؤمن بالتطور:
هل استخدمت شخصيـًا حواسك الخمسة لتثبت إمكانية نشؤ شيء حي من شيء غير حي؟
لا شك أن المؤمنين بالتطور عليهم أن يعترفوا أنهم لم يروا هذا الشيء يحدث مطلقـًا بالرغم من كل تجارب أصل الحياة التي أجريت على مدى السنوات الخمسين الماضية. فهل يعني هذا الاعتراف أن التطوريين لا يقبلون فكرة أن الحياة أتت من مادة غير حية لمجرد أنهم لم يشهدوا مثل هذا الحدث مطلقـًا؟ بالطبع لا. ولكنهم يريدوننا أن نأخذ في اعتبارنا "الأدلة القديمة" (مثل العمود الجيولوجي وسجل الحفريات) الذي يعتقد التطوريون أنه يؤدي إلى هذه الخلاصة. ورغم ذلك فهذا لا ينفي الحقيقة المرة أنه ما من أحد ممن هم على قيد الحياة اليوم (ولا حتى ممن عاشوا طوال الأزمنة الماضية) شهد شيئـًا حيًا ينشأ من شيء غير حي.
وعلى القياس نفسه، من يؤمنون بالخلق يعترفون صراحة أن خلق الحياة على الأرض حدث لم يشهده أي من الأحياء اليوم (ولا أي إنسان في الماضي، ربما باستثناء آدم). لقد كان حدثـًا فريدًا لم يتم سوى مرة واحدة ويستحيل تكراره بالتجريب ولا يمكن اكتشافه حاليـًا بحواس الإنسان الخمسة. وكما هو الحال مع التطوريين، هكذا يطالبنا المؤمنون بالخلق أن نفحص بعض الأدلة مثل سجل الحفريات، والتصميم الأصيل الذي يميز الكون وسكانه، وقانون السبب والأثر، وقانون توالد الأحياء من الأحياء Law of Biogenesis وغير ذلك مما يعتقدون أنه يؤدي إلى الاستنتاج بأن خالقـًا ذكيًا خلق الحياة في نقطة معينة في الماضي. ولكن قبل أن ننحرف بعيدًا عن موضوعنا الأساسي المتعلق بالقيامة، أود أن أذكرك أن هذا الطرح المختصر عن الخلق والتطور يهدف فقط لتوضيح نقطة واحدة، ألا وهي أن الجميع عليهم أن يعترفوا أنهم يقبلون بعض المفاهيممن الماضي السحيق دون أن يكونوا قد أجروا فيها بحثـًا بأنفسهم مستخدمين الحواس المادية.
ثانيًا، صحيح أن قيامة شخص من الأموات حدث مذهل ومدهش من الناحية التجريبية. ففي حياتنا اليومية ليس من الطبيعي أن يقوم البشر من الأموات. ولكن، ألم تكن هذه هي النقطة التي حاول الرسل وغيرهم من شهود القيامة أن يشرحوها للناس؟ إن كان يسوع الناصري قام حقـًا من القبر ولن يموت أبدًا، محققـًا بذلك ما لم ينجزه أي إنسان فانٍ، أفلا يكفي ذلك لإثبات أنه ابن الله كما قال (انظر مرقس 14: 61- 62)؟ وقد أنبأ أنه سيقوم من الأموات (يوحنا 2: 19). وقد قام حقـًا.
والمؤكد أن الناس في القرن الأول كان يعلمون أن قيام شخص من الأموات ليس طبيعيًا لأنهم هم أيضًا كانوا يفهمون قوانين الطبيعة. وهو ما شرحه "سي. إس. لويس" قائلاً:
ولكن من الأشياء التي كثيرًا ما تقال عن أسلافنا،وعلينا نكف نهائيًا عن ترديدها، أنهم "آمنوا بالمعجزات لأنهم لم يعرفوا قوانين الطبيعة". هذا كلام فارغ. فعندما اكتشف القديس يوسف أن خطيبته حبلى "أراد تخليتها". لقد كان لديه من المعلومات البيولوجية ما يكفي لهذا الأمر. … وعندما رأى التلاميذ المسيح ماشيًا على الماء خافوا. وما كانوا سيخافون لولا معرفتهم بقوانين الطبيعة وإدراكهم أن هذا استثناء (1970( 2
وقد أكد الرسول بولس هذه الفكرة في رومية 1: 4 عندما قال إن يسوع المسيح "تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات".لقد كانت ومازالت النقطة المحورية في موضوع قيامة المسيح من الأموات هي أنها تثبت ألوهيته. وكما ذكرت آنفـًا معظم من ينكرون القيامة يفعلون ذلك لأنهم يرفضون الإيمان بإله يصنع المعجزات، وليس لعدم كفاية الأدلة التاريخية.
واجه الحقائق
عندما نتناول قيامة المسيح علينا أن نركز على الحقائق. يسوع الناصري عاش، ومات، وقبره فارغ. والرسل كرزوا بأنهم رأوه بعد قيامته جسديًا من الأموات. الرسل عانوا وماتوا لأنهم كرزوا بالقيامة ورفضوا إنكارها. ورسالتهم محفوظة في أدق الوثائق التي يحق للتاريخ القديم أن يفخر بها. وقد تحدث عن القيامة كـُتاب مستقلون بعضهم عن بعض وتميزت قصصهم بما يكفي من التنوع (ولكن دون تناقض حقيقي واحد) مما يثبت عدم وجود شبهة تآمر.
وطبعًا الحجة الأساسية ضد القيامة أنه ليس من الطبيعي أن يقوم البشر من قبورهم، وهذه هي تحديدًا النقطة التي أكدها الرسل. ولكن عندما نزن كل الأدلة ونكتشف أن الرسل لم ينهاروا تحت التعذيب، والعهد الجديد لا يتهاوى تحت الفحص الدقيق، والشهود العلمانيون والتاريخيون يرفضون أن يغرقوا في بحر من النقد، عندئذٍ يتضح أن قيامة يسوع المسيح تستحق مكانتها اللائقة في سجلات التاريخ باعتبارها أهم حدث شهده هذا العالم على الإطلاق. وأقتبس هنا الكلمات الخالدة التي نطق بها الروح القدس على لسان الرسول بولس أمام الملك أغريباس منذ مئات السنين: "لماذا يُعَد عندكم أمرًا لا يصدَّق إن أقام الله أمواتًا؟" (أعمال 26: 8).