
صحة الكتاب المقدس >
القيامة: الكتاب المقدس أدق كتاب أثري تاريخيًا
كيَل بتَ
5/9/17 - ٥ دقيقة قراءة
"السير وليم رامزي" Sir William Ramsay لم يكن مؤمنـًا وكان من أشهر علماء الآثار على مستوى العالم. وقد غرست فيه غزارة علمه حسًا أكاديميًا دقيقـًا. إلا أن هذا الحس الأكاديمي رافقه تحيز فطري يصر على عدم دقة الكتاب المقدس (وتحديدًا سفر الأعمال). فقد قال "رامزي" نفسه:
في الفترة من حوالي سنة 1880 إلى 1890 كان سفر الأعمال يـُعتبر أضعف أجزاء العهد الجديد. وكل من يحترم سمعته الأكاديمية لم يعبأ بأن ينطقَ كلمة واحدة دفاعًا عنه. وكانت القاعدة العامة أن أساتذة اللاهوت الأكثر محافظةً رأوا أن أحكم خطة للدفاع عن العهد الجديد ككل ترتبط بالحد من الكلام عن سفر الأعمال قدر المستطاع (1915) 1
ومن الطبيعي أن يتبنى "رامزي" وجهة نظر هؤلاء الأساتذة الذين تتلمذ على أيديهم. ولكنه تخلى عنها في نهاية الأمر لأنه كان مستعدًا أن يفعل ما لم يجرؤ إلا القليلون في عصره على فعله. فقد قام باستكشاف أراضي الكتاب المقدس نفسها ممسكـًا بمعول عالم الآثار في إحدى يديه وبالكتاب المقدس مفتوحًا في اليد الأخرى. وكان ينوي في أعماقه أن يثبت عدم صحة تاريخ لوقا كما سجله في سفر الأعمال. ولكن ما أدهشه جدًا أن سفر الأعمال اجتاز كل الامتحانات التي يجب على أي رواية تاريخية أن تجتازها. والحقيقة أنه بعد سنوات من الحفر الفعلي في الأدلة المتوفرة في آسيا الصغرى، استنتج "رامزي" أن لوقا كان مؤرخـًا منقطع النظير. وقد سجل "لي س. ويلر" Lee S. Wheeler في كتابه الكلاسيكي "مشاهير انحرفوا عن الإيمان ووجدوا المسيح" Famous Infidels Who found Christقصة حياة "رامزي" بالتفصيل الممل 2 (1931) ثم اقتبس من عالم الآثار الشهير اعترافه التالي:
كلما درسـْتُ رواية سفر الأعمال وتعمقـْتُ سنة تلو الأخرى في دراسة المجتمع اليوناني الروماني وأفكاره وأساليبه، والتنظيم المتبع في تلك الأقاليم، ازداد إعجابي وفهمي. بدأت رحلةبحثي عن الحق على الحدود بين اليونان وآسيا ووجدته هنا 3 . يمكنك وضع كلمات لوقا تحت أدق أشكال الفحص التي تتجاوز أقصى ما يُمتحن به أي عمل تاريخي، وستجدها تصمد أمام أصعب الاختبارات وأقسى الامتحانات بشرط أن يكون الناقد دائمًا عارفًا بالموضوع ولا يتجاوز حدود العلم والإنصاف (رامزي, 1915) 4 .
وكان لابد له أن يقدم هذا الاعتراف في كتابه "علاقة الاكتشافات الحديثة بمصداقية العهد الجديد" The Bearing of Recent Discovery on the Trustworthiness of the New Testament:
يـُعد لوقا مؤرخًا من الطراز الأول، فما يورده من حقائق يتمتع بالمصداقية، وهو نفسه يتمتع بحس تاريخي أصيل. … وباختصار يجب وضع هذا الكاتب في مصاف أعظم المؤرخين (1915، ص 222، قارن أيضـًا كتاب "رامزي" "لوقا الطبيب" Luke the Physician، 1908).
فلا شك أن لوقا كاتب سفر الأعمال يحظى باعتراف واسع باعتباره مؤرخـًا بالغ الدقة وهو يستحق هذا التوصيف بفضل ما سجله من تاريخ دقيق لدرجة أن "رامزي" تحول إلى المسيحية نتيجة ما قام به من فحص شخصي لدقة التاريخ الذي سجله لوقا. ولذلك، من الجدير بالذكر أن لوقا نفسه كتب عن قيامة المسيح:
الكلام الأول أنشاته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضـًا نفسه حيـًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. (أعمال 1: 1- 3).
فهل من سبب مشروع يدعونا لرفض شهادة لوقا عن قيامة المسيح إن كانت شهادته فيما يختص بكافة الموضوعات الأخرى التي تناولها تتمتع بهذا القدر المذهل من الدقة؟ كما أشار "وين ﭼـاكسون":
يذكر لوقا في سفر الأعمال اثنين وثلاثين بلدًا، وأربعـًا وخمسين مدينة، وتسع جزر من جزر البحر المتوسط. ويذكر كذلك خمسـًا وتسعين شخصـًا، اثنان وستون منهم لم يذكروا في أي موضع آخر من العهد الجديد. وكلما أُخضعت الحقائق التي يذكرها للفحص ثبتت صحتها. وهو شيء لافت للانتباه خاصةً إذا أخذنا في اعتبارنا أن الوضع السياسي والإقليمي في عصره كان دائم التغير (1991). 5
إلا أن بعض نقاد الكتاب المقدسِ زعموا أن لوقا أخطأ عندما اعتبر سرجيوس بولس واليـًا proconsulعلى قبرص (أعمال 13: 7). وحجتهم أن قبرص كان يحكمها قاضٍ سابق propraetor (يشار إليه أيضـًا باسم "حاكم" consular legate)، وليس واليـًا. ولكن مزيدًا من الفحص أثبت أن هذه التهمة باطلة تمامًا وفقـًا لما قاله الراحل "توماس إيـﭭز" Thomas Eaves:
عندما نرجع لمؤرخي تلك الحقبة مثل كاسيوس ديو Dia Cassius ("تاريخ روما" Roman History) وسترابو Strabo ("جغرافية سترابو" The Geography of Strabo) نعرف أن قبرص مرت بحقبتين تاريخيتين: في الحقبة الأولى كانت مقاطعة استعمارية يحكمها قاضٍ سابق، ولكنها سنة 22 ق.م أصبحت مقاطعة تابعة لمجلس الشيوخ يحكمها والٍ. وهكذا، فالمؤرخون يؤيدون لوقا فيما قاله عن أن قبرص يحكمها والٍ لأن بولس قام برحلته التبشيرية الأولى فيما بين سنة 40 وسنة 50 م. فإن سلّمنا بصحة التاريخ العلماني، علينا أيضـًا أن نسلم بصحة التاريخ الكتابي لأنهما متوافقان (1980). 6
ويبدو أن علم الآثار تفوق على نفسه في التحقق من صحة الأسفار المقدسة. فقد كتب عالم الآثار البارز "وليم ف. أولبرايت"William F. Albright: "لا شك أن علم الآثار أكد ما يتمتع به العهد القديم من مصداقية تاريخية عظيمة" (1953، ص 176). وقال الراحل "نلسون جلوِك" Nelson Glueck وهو من أعمدة علم الآثار:
يمكننا أن نقول بكل ثقة إنه ليس هناك كشف أثري واحد يناقض أي مرجع كتابي. بل إن عشرات الاكتشافات الأثرية تؤكد بمنتهى الوضوح والتفصيل حقائق تاريخية مذكورة في الكتاب المقدس (1959). 7
إن هذه التصريحات التي صدرت منذ أكثر من 40 عامـًا مازالت تتمتع بذات المصداقية التي تميزت بها وقت صدورها.
إلا أنه يجب ملاحظة أن الهدف من عرض هذه الحجة هنا ليس إثبات صحة وحي العهد الجديد (وإن كان بعض الكـُتاب استخدموها لهذا الغرض على نحو فعال). ولكننا أوردناها في هذا الجزء من المناقشة لإظهار أن الأسفار التي ورد فيها معظم الحديث عن القيامة ثبتت صحتها عندما امتُحنت بالحقائق الصحيحة. وإن كنت تشك في دقة الكتاب المقدس يمكنك أن تسافر للأراضي المقدسة وترى بنفسك. ولكن احمل معك عقلاً مخلصًا منفتحًا وكتابًا مقدسًا مفتوحًا، وأؤكد لك أنك ستحترم كتبة العهد الجديد باعتبارهم مؤرخين دقيقين.
- 1Ramsay, William (1915), The Bearing of Recent Discovery on the Trustworthiness of the New Testament (London: Hodder and Stoughton) .38
- 2Wheeler, Lee S. (1931), Famous Infidels Who Found Christ (Peekskill, NY: Review and Herald Publishing Association). 106- 102
- 3في سفر الأعمال
- 4 Ramsay, William (1915), The Bearing of Recent Discovery on the Trustworthiness of the New Testament (London: Hodder and Stoughton).89
- 5Jackson, Wayne (1991), “The Holy Bible—Inspired of God,” Christian Courier, 27:1-3, May.
- 6 Eaves, Thomas F. (1980), “The Inspired Word,” Great Doctrines of the Bible, ed. M.H. Tucker (Knoxville, TN: East Tennessee School of Preaching).234.
- 7Glueck, Nelson (1959), Rivers in the Desert: A History of the Negev (New York: Farrar, Strauss, and Cudahy) 31.