
قضايا العهد القديم >
آيات مش تشجيعية!
ديفيد ويصا
7/11/19 - ٥ دقيقة قراءة
المزامير واحدة من الأسفار المحببة لقلوبنا لأننا بنستخدمها طول الوقت، سواء في قرائتنا اليومية، أو آيات تشجيعية بنقولها لبعض في المناسبات سواء المفرحة أو المُحزنة.
لكن المشكلة أوقات بتحصل لما بنستخدم بعض الآيات في غير سياقها أو بمعني غير المقصود منها، وده بيُظهر القراءة المتسرعة للنص، أو إقتصاص الآيات من قرينتها الثقافية والزمنية والمكانية. ولأنّ معندناش استعداد نقرأ تفاسير أو نقرر أن ندرس الكتاب المقدس ومقدمات الأسفار.
« أرفع عينيَّ إلى الجبال، مِن حيثُ يأتي عوني » مزمور1:121
الآية مش بتقول إن معونة المؤمن من الجبال .. لكن الآية أصلًا جاية في صيغة سؤال، بمعنى: (أرفع عينيَّ إلى الجبال، مِن (أين) يأتي عوني؟)
وهتلاقي "عوني" بعدها "؟" في نُسَخ الكتاب المُقدَّس اللي فيها علامات ترقيم .. فالمُرنِّم مش بيقدِّم (وصف) لمصدر المعونة. لكن بيقدِّم (تساؤل) عن مصدرها، وبيجاوب بعدها ويقول: (معونتي من عند الرب صانع السماوات والأرض) مز2:121
يعني بيقول: في حيرتي رفعت عيني من على الأرض، وبصِّيت للجبال وسألت، يا ترى معونتي تيجي منين؟
وتيقَّنت أنّها جاية من عند الرب اللي عمل السَّما والأرض.
« كَسِهامٍ بيَدِ جبَّار، هكذا أبناء الشَّبيبة » مزمور3:127
الجبَّار مش هو الله، والمؤمنين مش هُمّا السِّهام .. كاتب المزمور (سُليمان) بيقول قبلها في مز2:127 ..
(هوذا البنون ميراثٌ من عند الرب) .. البنون دول بيشبِّههم في مز3:127 بالسِّهام .. وبيقول بعدها عن البنون دول في مز5:127 (طوبى للذي ملأ جعبته منهم، لا يُخزَون بل يُكَلِّمون الأعداء في الباب)
يعني كده سُليمان بيقول: الأولاد دول بركة من عند الله للآباء، ويا بخت اللي يخلِّف وهو لسَّه في شبابه؛ لأن ولاده لمّا يكبروا هيكونوا سَنَد ليه ضد أعداؤه زي الجبَّار (الأب) اللي معاه سِهَام (أولاده).
(أبناء الشَّبيبة) مش معناها الأولاد الشباب. لكن معناها الأولاد اللي خلِّفهم الآباء وهما لسَّه في شبابهم، (الشَّبيبة) تعود على الآباء مش على الأولاد.
« طوبى لمن يُمسِك أطفالك ويضرب بهم الصَّخرة » مزمور 9:137
الآية دي بردو عاملة مشاكل كبيرة. مش بسبب عدم وضوحها على أد ما هي بسبب تأثُّرنا بمفهوم المجتمع اللي حوالينا للوحي المُنزَل، أو بسبب بعض أساليب الدِّفاعيَّات الساذجة اللي بتحاول تبرَّر أي حاجة، حتى لو كانت غلط!
المزمور كلُّه عبارة عن صلاة من مجموعة يهود في السَّبي، وهو في الحقيقة رثاء منهم لنفسهم على حالهم في السَّبي، وزي عادة المزامير في غالبيّتها كونها سكب للنَّفس باللي فيها؛ يعني الكاتب فيها بيُدلُق كل اللي جُوَّاه قُدَّام الله بمنتهى الصراحة من غير كسوف ولا تمثيل ولا كدب، لأنه بيفضفض لله. المجموعة دي بتحكي حكايتها لما كانوا في بابل (أرض السَّبي) لما افتكروا حالتهم المستقرَّة في صهيون (إسرائيل) قبل السَّبي (مزمور 1:137-3).
وزي ما بنسمع كل أسبوع دعاء صريح بيبيِّن المشاعر الحقيقيَّة ..لما بيتقال (اللهم شتّت شملهم، ورمِّل نسائهم، ويتِّم أطفالهم). حتى لو كان اللي بيُدعى عليهم دول معملوش حاجة تستاهل الانتقام ..المزمور ده صلاة صريحة بتطالب الله بالانتقام من بابل، بنفس الطريقة اللي بابل عملتها مع اليهود لما هاجموا إسرائيل؛ فبتقول يا ريت تيجي دولة تعمل في بابل اللي عملته فينا:(يا بخت اللي يجازي بابل، بنفس الطريقة اللي جازيتنا بيها) مزمور 8:137.
وتكمِّل في مزمور 9:137 (يا بخت اللي يقتل أطفالك، بنفس الطريقة اللي قتلتي بيها أطفالنا) يعني الآية بتاعتنا دُعاء من مظلوم موجوع، على ظالم مفتري، مش دعاء من كاره وحاقد، بغض النظر ان مفيش حَدّ ظلَمُه!
السؤال مش: إزاي الله يسمح ان الوحي يتكتب فيه ده؟ لكن السؤال هو: ليه الله يمنع عننا كلام حقيقي من قلب موجوع زي الكلام ده؟ ليه عاوزين اللي كتبوا الكتاب ناس من المرِّيخ مش من الأرض؟
اللي بيزوَّر تاريخه بيحُط أبطاله في أحسن صورة. لكن اللي بيقول الحقيقة زي ما هي من غير تزوير، مش محتاج يعمل ده. واحدة من أسباب مصداقيّة الكتاب؛ هي إنه بيحكي اللي حصل زي ما حصل، مش بيخبّي الحقيقة عشان يضحك علينا، أو يظهر نُصَّها الحلو بس!
والغريب إننا كتير بنعمل كده ونطالب الله بالانتقام؟ مش احنا وقت الوجع والاضطهاد أوقات كتير بنبقى عاوزين كده؟ مهما كان فينا أقوياء بيغفروا ويسامحوا، بس أغلبنا مش كده!
لو صلواتنا وقتها اتكتبِت، هتطلع زي مزمور 137 حقيقيَّة، ولا نحبّها تتزوَّر وتتجمِّل عشان نبان معصومين ومبنغلَطش!
الله صادق واشتغل مع يهود ومسيحيين في كتابة الوحي، بمنتهى الأمانة والمصداقيَّة، حتى لو كان على حساب إحراجهم، بإنه يبيِّن لينا حقيقتهم، اللي هي حقيقتنا اللي مش عاوزين نشوفها، أو بالأصح مش عاوزين غيرنا يكتشفها عشان نحافظ على منظرنا وصورتنا !
ولو عايز تعرف أكتر عن مزامير الإنتقام ممكن ترجع للمقال ده.
اللي هنكون بنعمله في سلسلة المقالات دي هو شرح وتفسير لبعض الآيات آللي مفهومنا ليها مش دقيق وهدفنا مش بس شرح وتفسير لكن اننا نعطَّشكُم ونجوَّعكُم لكلمة الله ولفهم أعمق ليها، وبذل الجهد في محاولة فهم ما وراء مجرد قراءة السطور.
ومعرفة الحق التي تُنير في عقولنا لمعرفة الله – اللي هي الغاية الكبري من قراءة الكتاب المُقدس- وإدراكه بصورة أكثر عمق وإتساق.
لقراءة المقال التالي أضغط هنا